ما بعد الصدمة.. الأسباب الحقيقية وراء خسارة الأرجنتين!
حالما تأهلت الأرجنتين إلى نهائي كوبا أمريكا المئوية 2016 بعد فوزها على الولايات المتحدة الأمريكية في نصف النهائي، ظلت الجماهير العربية تردد عبارة “الأرجنتين وعقدة المباريات النهائية،” ولعل السبب وراء ذلك ما سمعوه في القنوات التلفزيونية. لعل هذا كان رأي معلقي المباريات، فأصبحت هذه الفكرة بمثابة الكلام المنزل الذي تمسك به متابعي كرة القدم في الوطن العربي وظلوا يرددوه ليلاً ونهاراً على الشبكات الاجتماعية.
الأسباب ليست نفسية، بل أخطاء تكتيكية فادحة ارتكبها المدرب تاتا مارتينو الذي لم يعرف كيف يتعامل مع ظروف المباراة أمام تشيلي. وسنعرض في هذه المقال أخطاء المدرب التي لا تغتفر والتي ضيعت على التانجو وميسي فرصة الفوز باللقب.
1. مشاركة انخيل دي ماريا أساسياً – بدا واضحاً أن دي ماريا لم يكن حاضراً على الإطلاق، وكان يلعب بعشوائية مفرطة ولا يمرر الكرة لزملائه. ربما لم يتعافى بالكامل، لكن في جميع الأحوال، ما كان ينبغي إشراكه في المباراة أساسياً. لم يكتف تاتا بهذا القدر، بل تأخر جداً في إخراجه وانتظر حتى مضى بعض الوقت في الشوط الثاني.
2. مشاركة ميسي على الجهة اليمنى بدلاً من أوجستو فيرنانديز – ساعد وجود ميسي على الجهة اليمنى في جعل مهمة محاصرته أسهل بالنسبة للاعبي تشيلي لأن المساحة التي أمامه محدودة. عندما تلعب الشطرنج، تميل في الغالب إلى محاصرة الشاه أو الملك في إحدى أطراف الرقعة وليس في وسطها، وذلك لتحد من الخيارات المتاحة أمامها للهرب، وهذا ما حصل مع الملك ميسي الذي كان مرتاحاً أكثر في الوسط في المباريات السابقة. حتى عندما تحاول الإمساك بقط ما، ستكون فرصتك لفعل ذلك أكبر إذا كان قرب الحائط وليس في وسط الغرفة.
وجود ميسي على الجهة اليمنى سيعني أنه مضطر للتمرير باتجاه واحد فقط عندما تتم محاصرته، إنه الاتجاه الأيسر، وهنا أصبح الأمر مكشوفاً، أما لو كان ميسي في الوسط، فستكون أمامه ثلاث خيارات، إما إلى اليسار أو اليمين أو حتى في العمق، وسيجعل ذلك من الإفراط في مراقبته ومحاصرته مخاطرة لأن ذلك سيعني تحرر العديد من زملائه.
3. مشاركة لوكاس بيليا – كان وجود ميسي في الجهة اليمنى يعني منح وسط الميدان للاعب لوكاس بيليا الذي لا يرتقي مستواه للمشاركة مع منتخب بحجم الأرجنتين، وخصوصاً في نهائي بطولة مهمة كهذه. كان بيلياً بطيئاً جداً كعادته وغير قادر على تقديم الأداء المطلوب، مما جعل تشيلي تسيطر على خط الوسط وتقطع الطريق على الهجمات الأرجنتينية مبكراً قبل وصولها إلى منطقة الخطر. إذا كان يجب أن نرى ميسي في الوسط، وفيرنانديز المقاتل في الجهة اليمنى.
4. إرجاع خافيير ماسكيرانو لتعويض طرد ماركوس روخو – من يتابع منتخب الأرجنتين جيداً، يدرك أن ماسكيرانو هو القلب النابض لهذا الفريق. بدلاً من إرجاع ماسكيرانو للتغطية على طرد روخو والنقص العددي وترك خط الوسط فارغاً (نعم فارغاً لأن بيليا لم يشعرنا بوجوده)، كان على تاتا مارتينو إخراج بيليا من الملعب وإشراك مدافع بدلاً من روخو من أجل ترك ماسكيرانو في مكانه المفضل للإبقاء على الترابط بين خطي الوسط والهجوم. لكن تاتا ضحى بخدمات ماسكيرانو التي لا تقدر بثمن في خط الوسط من أجل إبقاء بيليا على أرض الملعب، مما أضع الوسط الأرجنتيني وسهل المهام الدفاعية لتشيلي.
5. دخول أجويرو بدلاً من هيجواين – تبديل كلاسيكي بحت يفتقر لأبسط أساسيات الابتكار والإبداع في مباراة مهمة كهذه. كان على تاتا إدخال أجويرو بدلاً من بانيجا وترك هيجواين في المعلب ليصبح لدى الأرجنتين هيجواين وأجويرو ولاميلا وميسي ما بين الوسط والهجوم لتشكيل أكبر قدر ممكن من الضغط على تشيلي ومحاولة حسم المباراة في وقتها الأصلي لأن التمديد لا يخدم الأرجنتين التي أرهقت، وبالتأكيد ليس في صالحها الذهاب إلى ركلات الترجيح لأنها أصابت اللاعبين بالتوتر وأعادت ذكريات السنة الماضية المريرة.
الخلاصة:
وجود ماسكيرانو في المحور، وأمامه ميسي، في الجهة اليمنى فيرنانديز واليسرى لاميلا وأمامهم هيجواين وأجويرو لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط الهجومي بدلاً من عزل ميسي يميناً ولاميلا يساراً وبقاء بيليا البطيء في وسط الملعب. لم تقتصر مشكلة بانيجا وبيليا على بطء تحركهما، وإنما كانا بطيئين في التمرير أيضاً، وهذا ما ساعد تشيلي ودفاعها على قراءة عملية بناء الهجمة الأرجنتينية البطيئة بيسر وسهولة.
الحل:
تحتاج الأرجنتين إلى مدرب بصفتين رئيسيتين، هما قوة الشخصية والدهاء التكتيكي. تلزمه قوة الشخصية كي تكون لديه الشجاعة والجرأة على التخلص من بعض الأسماء التي لا تقدم ما يليق بالتانجو ولا تقاتل من أجل الفوز، ومن أبرز هذه الأسماء، آنخيل دي ماريا الذي يقضي معظم وقته مصاباً أثناء البطولة، وحتى عندما يلعب، لا نراه حاضراً في المواعيد الكبرى والمباريات الصعبة، بل يتألق فقط في المباريات السهلة ويقدم أداء عشوائياً في المباريات الأخرى. من الأسماء التي يجب التخلص منها فوراً، اللاعب لوكاس بيليا أيضاً، خصوصاً وأن الأرجنتين تملك بدلاء في هذا المركز مثل إنزو بيريز مثلاً.
لا حاجة للحديث عن أهمية الدهاء التكتيكي الذي يحتاجه كل مدرب يريد الفوز بالبطولات والألقاب، لكن السؤال هنا، هل تملك الأرجنتين مدرباً بهذه المواصفات؟ نعم، إنه دييجو سيميوني الذي نقل أتلتيكو مدريد من الحضيض إلى المنافسة على دوري الأبطال والفوز بالدوري الأوروبي والدوري الإسباني. السؤال الآخر، هل سيقبل سيميوني بترك العمل في النادي وتدريب المنتخب؟ على الأرجح لا، ولكن هناك حل وسطي يتمثل في تدريب الفريقين معاً لأن مدربي المنتخب لا يعملون إلا عندما يحل موعد مباريات الفيفا في الرزنامة، عندها يستطيع سيميوني ترك ناديه خلال ذلك الأسبوع والذهاب إلى الأرجنتين لقيادة فريقها في مباراتا التصفيات، خصوصاً وأن لاعبي ناديه سيكونون مغادرين إلى منتخباتهم ولا حاجة لبقائه في مدريد دون نجومه، وعند قدوم كأس العالم 2018، أقرب بطولة قد تشارك فيها الأرجنتين، سيكون الموسم الكروي للأندية قد انتهى ولا يتعارض عمل سيميوني مع منتخب بلاده مع عمله في أتلتيكو.
ماذا سيحتاج سيميوني لو درب الأرجنتين؟ لو حدث هذا السيناريو وجاء سيميوني لقيادة دفة التانجو، سيحتاج لفعل بعض الأمور خارج إطار المستطيل الأخضر. يتمتع سيميوني بالذكاء والدهاء التكتيكي ولا يحتاج لنصائحنا بخصوص كيفية قيادة الفريق في الملعب. أما خارج الملعب، فيحتاج سيميوني إلى التعامل مع وسائل الإعلام غير الاحترافية في الأرجنتين. إنه الإعلام الذي يعمل على تحميل المنتخب أعباء نفسية ويتحدث دائماً بعنجهية ويطالب لاعبيه بسحق الخصوم، بينما نرى الصحافة المحترفة والذكية تحترم الخصم وتحاول إلقاء العبء النفسي على كاهله لتريح فريقها. سمعنا تصريحات منسوبة إلى مارادونا يطالب فيها الأرجنتينيين بالفوز أو عدم العودة إلى الديار، وبغض النظر عما إذا كان مارادونا قد قال هذا الكلام أم لا، ولكن لو قاله فعلاً فإنه قدم خدمة جليلة للخصم. لم تصب هذه التصريحات لاعبي التانجو بالتوتر والرهبة فحسب، وإنما أراحت تشيلي ولاعبيها تماماً وحررتهم من كل الضغوط. لو كان مارادونا ذكياً وماكراً لتعمد امتداح تشيلي بصفتها حاملة لقب البطولة الماضية 2015، وأكثر من الإشادة ببعض لاعبيها كي يحاربهم نفسياً ويحرر أبناء بلده من الضغوط الرهيبة.
لا شك في قدرة سيميوني على تحفيز لاعبيه ودفعهم إلى الأمام، كما يمتاز أيضاً بالتفكير الاستراتيجي وجعل لاعبيه يدخرون مجهودهم عندما لا يحتاجون لإخراج كل ما لديهم. فمثلاً، قد لا نرى تحت إمرة سيميوني تصرفات طائشة مثلما فعل لافيتزي الذي عرض نفسه لإصابة مجانية في مباراة محسومة لا تحتاج إلى المزيد من القتال. في مسرحية الإنسان والسلاح للكاتب جورج برنارد شو، طلب سارانوف من بلونتشي أن يبارزه على أن يقتل أحدهما الآخر ويظفر الناجي بحب رائينا. قبل بلونتشي التحدي، ولكن بعد ذلك غير سارانوف رأيه فلم يتردد بلونتشي في وضع سلاحه جانباً. استغرب سارانوف عدم تمسك خصمه بالتحدي واعتبره جباناً يميل إلى التراجع والتخاذل، وعندما سأله عن ذلك، أجابه بلونتشي بأنه محترف يقاتل فقط عندما تكون هناك ضرورة لذلك ولا يخاطر بحياته ما لم يلزم الأمر، لا يتهور ويبحث عن المتاعب.
ربما كان لافيتزي بحاجة إلى عقلية بلونتشي كي لا يتهور ويعرض نفسه للإصابة. ربما كنا سنشهد سيناريو مغاير تماماً لو بدأ لافيتزي المباراة أساسياً بدلاً من دي ماريا. إنه لافيتزي الذي عذب دفاع ألمانيا قبل عامين في نهائي كأس العالم 2014، قبل أن يتركب أليخاندرو سابيلا مدرب الأرجنتين آنذاك، غلطة عمره حين أخرجه بين الشوطين بدلاً من منحه مزيداً من الوقت عله يسجل أو يصنع هدفاً كان قريباً جداً بوجوده في الملعب.