البوليساريو …والمتاجرة حتى في الأمراض…قمة اللاإنسانية والوحشية
أدت الإجراءات الجائرة التي اتخذتها السلطات الجزائرية لمحاصرة سكان المخيمات، من تقييد لحركتهم، ومنعهم من ولوج تندوف التي تشكل شريان الحياة بالنسبة إليهم، إلى بروز أزمة إنسانية خانقة وغير مسبوقة، أفقدت جل الشباب في المخيم موارد عيشهم البديلة، بعد تمادي قيادة “بوليساريو” في اجتثاث قوتهم كل يوم، إذ تأتي على الأخضر واليابس مما جادت به المنظمات الدولية من دعم إنساني، لتحول مساره إلى جيوب أعضائها وعائلاتهم، جاعلة من جائحة كورونا فرصة لتوسيع هوامش ربحها، وتعويض بعض مداخيلها، القائمة أساسا على المتاجرة بمعاناة سكان المخيمات، بعد أن قررت أن تبيع للصحراويين تلك المساعدات، من محروقات ومواد غذائية، بما فيها البيض والدجاج، المنتج بمزرعة “النخيلة”، التي أحدثها بعض المانحين تحت رعاية منظمة غوث اللاجئين، خصيصا لتحسين الوضعية الغذائية لصحراويي المخيمات.
فبَدل أن تُوزع منتوجات مركب الحسين التامك للدواجن، الواقع غرب مخيم الرابوني، والذي يتم دعمه مناصفة من قبل منظمة “تشيسب” الإيطالية وهيأة الإغاثة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، على سكان المخيم مجانا، تقوم “بوليساريو” ببيعها، وبأثمان تفوق قدرة اللاجئين عديمي الدخل.
الطاقة الإنتاجية للمركب، التي تفوق25 ألف بيضة في اليوم، منذ غشت 2015، تجعل منه موردا هاما للتخفيف من وطأة الأزمة الغذائية داخل المخيم، غير أن القيادة، كعادتها، حولت حق الصحراويين في التغذية إلى سراب.
إذ أصبحوا يشاهدون يوميا، وبحسرة، حافلات أعضاء القيادة تنقل بيض “مركب التامك” إلى أسواق تندوف، وبعض المحلات داخل المخيم لبيعه بسعر 340 دينارا جزائريا للعلبة الواحدة، بل إن الأغرب من كل ذلك، هو توقيع قيادة “بوليساريو”، مطلع فبراير 2017، عقدا مع القطاع العملياتي لتندوف، التابع للناحية العسكرية الثالثة في الجيش الجزائري، لتزويده بالبيض، بعيدا عن أعين المانحين الأجانب، الذين يوهمهم هلال الجبهة أن ما ينتجه المشروع يُوزع دون مقابل على سكان المخيمات.
ولأن المركب يُدر ملايين الدنانير الجزائرية، فقد قام ابراهيم غالي بإلحاقه بمكتبه، وجعل تسييره تحت إشرافه المباشر، أياما بعد خلافته لمحمد عبد العزيز، على رأس جبهة “بوليساريو”، إذ أوكل إدارته لرجل ثقته الجلاد “أدة أحميم”، الذي عمل على توسيع هذا المشروع وتنويع منتجاته، بعد أن تم تزويد المركب، في فبراير من السنة الماضية، بحوض لتربية الأسماك، رصدت لإنجازه ميزانية خيالية مقتطعة من المساعدات الموجهة لسكان المخيم من قبل منظمة خيرية إيطالية، وهي الفضيحة التي فجرها عضو برلمان “بوليساريو” السابق “الديه النوشة”، الذي هدد برفع رسالة إلى الحكومة الإيطالية، يشرح فيها حقيقة مسار إنتاج المركب، غير أنه تراجع عن تهديده، بعدما تم إسكاته بتعيينه في العاصمة الإسبانية مطلع هذه السنة.
كل الإجراءات التي فرضتها السلطات الجزائرية، بعد أن أحكمت قبضتها على مخارج المخيمات ومداخلها، زادتها القيادة ضراوة بمنعها التنقل داخلها، تحت ذريعة الحجر الصحي، خدمة لتجار الأزمات من أعضائها، إذ وجد اللاجئ نفسه مرغما على دفع 500 دينار لمكتب مدير شرطة الجبهة، من أجل استصدار رخصة للتنقل من مخيم إلى آخر، قبل أن يبدأ رحلة الشتاء والصيف للحصول على جرعة بنزين، لأن المحروقات التي تمنحها الجزائر “مجانا”، تبيعها الجبهة للاجئين بأسعار جنونية، تثقل كاهلهم وتعمق مأساتهم، وتجعلهم يقتنعون أن ما يدعيه الحليف دعما مجانيا لهم، ليس إلا صكا تجاريا يمنحه للقيادة لتراكم به الثروة.
المياه لم تسلم هي الأخرى من أيادي العابثين من قيادات الصف الأول بـ “بوليساريو”، فالمخيمات، ومنذ أسبوعين، تجتاحها موجة عطش أثارت الكثير من الجدل، حيث أعطى أعضاء القيادة، المكلفون بهذا الملف، تعليماتهم لسائقي الشاحنات الصهريجية بأن يوزعوا شحنتين من أصل خمس من الماء في اليوم الواحد، بينما يتم بيع الشحنات الثلاث الأخرى لمن يرغب في كمية أكثر من الماء، إذ بلغ سعر طن الماء الشروب في المخيم 200 دينار، وهو ما أثار حنق وسخط السكان، الذين لم يجدوا بدا عن الصمت والرضوخ للأمر الواقع، بعدما تم تهديدهم بقطع الماء عنهم، وهو ما ينذر بكارثة غير مسبوقة، إذا ما استمر الحظر المضروب على محيط المخيمات، من قبل المسؤولين الجزائريين، الذين شرعنوا استغلال قيادات الجبهة للاجئين من خلال سماحها لهم بتحويل المخيم إلى سوق مغلقة، يفرض فيها تجار الأزمات أسعارهم التي تعكس عقلية الاستعباد التي تحركهم، متمادين في إذلال الصحراويين والاستهانة بأرواحهم.