تشيلسي في قلب العاصفة
اختيار خاطئ و”كاستينغ” فاشل في بيت تشيلسي الإنكليزي. ألم كبير وأمل ضعيف بخصوص قدرة الفريق على التدارك هذا الموسم، وحلم اللحاق بركب المتراهنين على لقب الدوري الممتاز بدأ يتلاشى ويغدو سرابا تذروه رياح عاتية في قلب عاصفة وشيكة قد تأتي على الأخضر واليابس.
هكذا بدا حال الفريق “الأزرق” في المرحلة الأهم من منافسات الموسم محليا، فاليوم وقبل جولات قليلة من نهاية السباق نحو لقب “البريميرليغ” يكاد هدف تشيلسي يقتصر على ضمان المشاركة في دوري الأبطال الموسم القادم.
فالهوة اتسعت بشكل رهيب عن صاحبي الريادة السيتي وليفربول، وفارق 15 نقطة من الصعب للغاية تجاوزه في ما تبقى من منافسات هذا الموسم، بل الأكثر من ذلك أن هذا الفريق الذي يحتل حاليا المركز السادس يجد منافسة قوية للغاية من قبل فريقي أرسنال ومانشستر يونايتد في الصراع على مركز مؤهل للمشاركة في دوري الأبطال.
ضربات من كل حدب وصوب، وتراجع رهيب في مستوى الفريق، والأكثر من ذلك أن “الأزرق” تعرض لخسارة مهينة ومذلة بسداسية كاملة منذ أيام ضد مانشستر سيتي الذي عبث بتاريخ “البلوز” وأذاقه طعم العلقم.
بعد تلك “الفضيحة” أذعن تشيلسي لمشيئة اليونايتد، فغادر من الباب الضيق كأس الاتحاد الإنكليزي، وهي المسابقة التي كان يعوّل عليها الفريق كثيرا كي ينقذ موسمه محليا.
لم يعد أمام صاحب لقب الدوري الممتاز الموسم قبل الماضي سوى بصيص من الأمل كي يتمكن من تحقيق بعض المكاسب في نهاية الموسم، حيث ما زال في سباق الدوري الأوروبي بعد أن بلغ الدور ثمن النهائي ليضرب موعدا مع نادي دينامو كييف.
لكن ما الذي أصاب تشيلسي كي يترنح بهذا الشكل المريب؟ وما هي أسباب السقوط في المراحل الحاسمة من منافسات الموسم والتخلف عن ركب فرق الصدارة؟
ربما الإجابة لا تحتاج للكثير من التخمين والبحث، إذ هي مرتبطة أساسا بتطور الفكر الخططي وطرق التدريب خلال الزمن الراهن.
يبدو أن تشيلسي لم يدرك بعد أن الدوري الإنكليزي الممتاز لم تعد تحكمه قوة المال وتأثير نجاحات الماضي، بقدر ما أصبح الأمر متعلقا بالتغيير والتوق نحو التطوير والتخلص من الأساليب القديمة في عالم التدريب.
في الوقت الذي بدأ خلاله ليفربول يجني ثمار تعويله على المدرب الألماني المحنك يورغن كلوب الذي غيّر وجه “الريدز” وأكسب الفريق مسحة من الجمالية المفقودة في السابق على المستوى الهجومي، مازال تشيلسي يحن للماضي ولطرق تدريبية قديمة.
في الوقت الذي تطور خلاله أداء السيتي وأصبح، نظريا، أقوى فريق في إنكلترا بمساعدة المدرب الإسباني الذكي بيب غوارديولا وهو ما مكّنه الموسم الماضي من فرض سلطانه، فإن تشيلسي بدا مصرّا على التعامل مع مدربين أوفياء للأساليب الدفاعية العتيقة.
ربما يمكن فهم ما يحصل حاليا في الدوري الإنكليزي الذي بات أكثر نزعة هجومية وتمردا على المناهج الدفاعية، إذا نظرنا إلى ذلك التغيير الحاصل منذ فترة قصيرة في مانشستر يونايتد.
فوجه “الشياطين الحمر” تغيّر كليا بعد رحيل المدرب البرتغالي خوزيه مورينيو وقدوم ابن النادي سولسكاير الذي تتلمذ لسنوات طويلة عندما كان لاعبا على أيدي المدرب الأسطورة أليكس فيرغسون. فهذا الفريق تحسن مستواه بشكل كبير للغاية وتمكن من الصعود بسرعة البرق إلى المراكز الأمامية، والسبب في ذلك أنه تخلى عن الأسلوب الدفاعي الذي كان يعتمده مورينيو.
أما تشيلسي فيبدو أنه لم يستوعب الدرس. لقد ظل محافظا على عاداته وتقاليده. ظل وفيا للمدرسة الإيطالية. فالنجاح النسبي الذي حققه في السابق مع المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي قبل موسمين دفعه هذا الموسم للتعاقد مع مواطنه ماوريسيو ساري.
هذا المدرب نجح في السابق مع نادي نابولي، حيث أعاده إلى واجهة الأحداث في منافسات الدوري الإيطالي. قاده إلى تحسين مستواه بشكل ملحوظ. لقد أحسن توظيف قدرات الفريق وجعله فريقا قويا، لكن وفق خصائص الكرة الإيطالية ومبادئها التدريبية.
أما في الدوري الإنكليزي الذي يتطور موسما بعد الآخر بسرعة البرق، فإن الأمر يبدو مختلفا، إذ لا سبيل اليوم إلى النكوص إلى الوراء. لا مجال للاعتماد دوما على الطرق التدريبية الكلاسيكية. لا مفرّ من تطوير الأداء والسعي لاستنباط طرق مستحدثة ومواكبة التغيرات المتسارعة.
يبدو أن إدارة “البلوز” لم تستوعب الدرس. فكونتي الذي قاد تشيلسي للألقاب “وقت مخاض” بقية الفرق الكبرى، حيث كانت الظروف ملائمة وتمكن من تحقيق لقب الدوري المحلي، سرعان ما خفت بريقه وفشل في المحافظة على تفوق تشيلسي، لتتم إقالته بعد فشل ذريع مع نهاية الموسم الماضي.
كونتي قضى موسمين مع تشيلسي فتذوق طعم الألقاب بما أن الفريق توج معه بلقب الدوري الموسم قبل الماضي وكذلك كأس الاتحاد الإنكليزي، لكن من سوء حظ ساري أن أغلب الفرق أنهت فترة المخاض وباتت أقوى بكثير.
من سوء حظ ساري أن أسلوب تدريبيه لم يعد يتماشى مع الخصوصية الحالية للدوري الممتاز. من سوء حظه أن المصائب لا تأتي فرادى في بيت تشيلسي الذي تعرض لعقوبة الحرمان من التعاقد مع لاعبين جدد لعام كامل، ما يجعل بقاءه مستحيلا مع فريق يغير سياسته لمواكبة التغييرات الحديثة في عالم التدريب.