كلنا معنيون !!!
مغرب الحضارة في مواجهة خصوم متعددين يملكون قوة مالية وإعلامية ودبلوماسية وشبكات داعمة.
إن المخطط الذي أثر على تونس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأربك مسارها الدبلوماسي المتزن، هو نفس المخطط الذي يستهدف كثيرا من الدول العربية والافريقية وخاصة الصديقة والشريكة والداعمة للمغرب.
لذلك يحتاج الوطن الى تماسك جبهته الداخلية من أعلى الهرم الى قاعدته !!!، وإلى دينامية أبنائه في الداخل والخارج. كما يحتاج إلى قوة مؤسساته ونزاهة وتضحيات مسؤوليه وفاعلية ممثلي الدولة في كل المستويات وعلى جميع الأصعدة.
ويحتاج اكثر إلى الاغنياء والعائلات النافذة أولا و إلى الطبقة المتوسطة بأطرها ومهنييها ثانيا وإلى النخب المتنوعة ثالثا لأنها استفادت وتستفيد من الوطن واستقراره ولأنها قادرة على التأثير وتوظيف علاقاتها.
نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى استئناف المسار الإصلاحي مدعوما بحركيات مدنية وسياسية واجتماعية قادرة على الاقتراح والترافع والتأطير.
إن موجات الاستنكار وبيانات التنديد لموقف رئيس تونس، يجب ان تتحول إلى عمل كبير في العمق يكون قويا بقدر قوة التحديات الداخلية والخارجية، ومانشره الصحفي محمد البقالي
(مراسل قناة الجزيرة في باريس حاليا، مراسل القناة سابقا في تونس) يستحق أن يقرأ بتمعن !!!
*** عزيز رباح
*** اليكم المنشور
“…لأني أزعم أني أعرف تونس جيدا لأسباب شخصية ومهنية. وقد عشت فيها أربع سنوات كنت مطلعا فيها على داوائر صنع القرار وحين خرجت منها لم تنقطع علاقتي بها، فسأدلي ببعض الاضافات.
———
لابد من الاعتراف بدءا أن ما حدث في تونس من “انقلاب” كان أمرًا مفاجئا جدا. لم يتوقع أحد ان رئيسا بمواصفات قيس سعيد بدون قاعدة حزبية تسنده او خلفية عسكرية أو أمنية تدعمه وبدون امتداد خارجي معلن يرفعه، سيقدم على ما أقدم عليه بتلك الطريقة.
كان الجميع ينظر الى الرجل على أنه مجرد “مجنون” أو ” أهبل” وفي أفضل الحالات على أنه “ظاهرة صوتية” لا تؤخذ على محمل الجد، بينما بينما كان هو يطبخ خطته على نار هادئة بدعم خارجي، وبتنسيق امني مخابراتي عسكري.
حتى ان خطة الانقلاب نشرت بتفاصيلها قبل شهرين من حدوثه في موقع ميدل إيست آيز البريطاني دون أن يأخذها أحد مأخذ الجد.
الى أن جاء يوم 25 يوليوز 2021، لتكتشف أنها أخطأت باستصغارها لقيس سعيد.
لذلك اي تعامل مع هذا الشخص بمنطق الهبل او العته ان يغير من حقيقة الواقع شيئا. وهو أن الرجل لديه مخطط واضح، وسيذهب فيه الى النهاية. أوجه الشبه كبيرة بينه وبين القذافي اولا أنه لا يملك ما ملك القذافي من أموال.
في علاقته مع المغرب، سيذهب خطوات أخرى في اتجاه لسببين :
أولا: الرجل يعاني من نقص في المشروعية بسبب ما حدث خلال العام الأخير. لذلك فهو يعلم يقينا أن بقاءه في السلطة رهين بموقف اللاعبين الكبار في الساحة السياسية التونسية، ومن بين أهم اللاعبين في الساحة السياسية التونسية هي الجزائر وفرنسا و… إيران.
– فرنسا توفر له الغطاء الغربي بعد أن خلصها من “حكم” الاسلاميين، وهي وإن لم تكن ترى فيه رجلها المفضل لكن لا بديل عليه الان، لأن غيابه يرفع احتمالات عودة النهضة الى السلطة باعتبارها الحزب الأكثر تنظيما. لكن فرنسا لن تفعل شيئا من أجل المغرب. بل ان مصلحتها في تأزم الأوضاع المغاربية أكثر، حتى يتسع هامش المناورة لديها للاستفادة من كل الأطراف.
– أما الجزائر فمعلوم حضورها القوي في تونس منذ الثورة . السفارة الحزائرية كان يعمل بها أكثر من 100 شخص (في وقت أرسل فيه المغرب سفيرا متقاعدا في الثمانين من عمره اسمه الدكالي ليخلف نجيب الزروالي عقب اندلاع ثورة قام بها الشباب).
– الجزائر تملك أوراق ضغط كبيرة على تونس. هذه بعضها باختصار شديد:
أمنيا:
الحدود بين البلدين تتجاوز 1000 كيلومتر، وهي حدود لا تستطيع تونس تأمينها بدون دعم جزائري وقد تحولت في مرحلة ما الى مرتع للمجموعات المسلحة. الجيش التونسي محدود العدد وضعيف العدة. وهو غير قادر على تأمين الحدود دون دعم جزائري.
اقتصاديا: هناك من جهة الغاز الجزائري، ومن جهة ثانية السياحة. أكثر من مليون سائح جزائري يدخل تونس سنويا في وقت يعرف فيه الاقتصاد التونسي وضعا كارثيا ينذر بعدم قدرة الدولة على سداد أجور الموظفين.
إعلاميا: تشكل لوبي جزائري قوي وسط النخبة الاعلامية والثقافية. والنتيجة أن العلاقة بين تونس والجزائر ليس متوازنة أبدًا. فلا تكاد تسمع نقدا لغياب هذا التوازن الا قليلا.
العلاقة مع ايران:
هناك علاقة أخرى لا يتم الحديث عنها كثيرا وهي مؤثرة بشكل مستتر، وهي علاقة تونس مع ايران. وقد تعززت مع وصول سعيد الى السلطة. الرجل لديه ود غير معلن لإيران والسفارة الايرانية اضحت لاعبا رئيسيًا مستترا في تونس وخاصة على مستوى نشاطها الثقافي.هناك من يذهب الى اتهام سعيد نفسه بالتشيع، وهناك من يتهم شقيقه نوفل سعيد. ليس هناك دليل لكن المؤكد أن النشاط الايراني قوي في البلد ومعه مد للتشيع.
ولعله من المعلوم أنه العلاقة مع ايران تدفع في اتجاه تعميق التوتر مع المغرب ولن يكون مستغربا ان تزيد تونس خطوة اخرى في اتجاه تأزيم علاقتها مع المغرب..
ثانيا : لا يغامر سعيد بأي خسارة شعبية اذا صعد ضد المغرب. واليكم السبب.
منذ الثورة سرت في الاوساط التونسية محبة وشعبا أن المغرب ” سرق” سياح تونس وشركاتها وسوقها الدولية مستغلا ازمتها الامنية والسياسية. هذا الأمر تردد بقوة في الاعلام وفي حديث المقاهي ويصعب ان تقنع التونسيين بغير بذاك. حتى انه ثمة شائعة تسري بقوة فوجئت ان زميلة ترددها مفادها أن المغرب يقف وراء بعض العمليات الارهابية من أجل زعزعة الاستقرار لكي يجلب الشركات الدولية والسياح.
هذه “السردية” غير قابلة للتغيير. تذكروا أن هناك” لوبي” قويا ،اعلاميا وثقافيا ، مهمته رعاية مثل هذه الصورة.
ثم جاء التطبيع، وحساسية النخب التونسية ضده كبيرة. ولكم أن تتصوروا كيف أصبحت صورة المغرب في المخيال الجماعي التونسي نخبة وشعبا. ولعل هذه اكثر كارثة حلت بصورة البلد خلال العشرين عاما الأخيرة. لا أعرف ماذا جنى المغرب منها لكن اعرف جيدا ماذا يخسر.
لذلك اعتقد أن السيل كان جارفا ومفاجئا وكبيرا. وأشهد أن السفير حسن طارق قام بعمل ممتاز خلال وجوده في تونس. لذلك لا أرى بابا للتحامل عليه”.