في كونغرس الفيفا:اتفق العرب على ألاَّ يتفقوا
تابع العالم الماضي عملية انتخاب رئيس جديد للاتحاد الدولي لكرة القدم خلفا لسيب بلاتر من خلال تصويت الجمعية العمومية للفيفا خلال اجتماعها الاستثنائي (كونجرس الفيفا)، في مدينة زيوريخ السويسرية،وكله أمل في التغيير الذي سيأتي به هذا التصويت حفظا لسمعة وهيبة هذه المنظمة التي مرّغت في تراب الفساد الأخلاقي في السنوات الاخيرة.
دخل كل المرشحين سباق الترشح لخلافة العجوز بلاتر الذي تم انتخابه لولاية خامسة نهاية مايو الماضي لكن شبهات الفساد سرعان ما أسقطته من أعلى هرم كروي في العالم قبل أن يهنأ بهذه الولاية،دخلوا ببرامج كلها تتفق في استرجاع هيبة وشرف هذه المنظمة الكروية واستعادة نزاهتها و استقرارها من جديد بعدما تصدعت اركانها،إلا أن اللافت للنظر دخول اثنين من العرب كمرشحين للظفر بمنصب رئيس الفيفا هما البحريني الشيخ سلمان بن ابراهيم الرئيس الحالي للاتحاد الاسيوي لكرة القدم ،والأمير الاردني علي بن الحسين الذي سبق له ان نافس بلاتر نفسه على هذا المنصب في 29 مايو 2015.
فاذا كان حضور العرب في سباق رئاسة الفيفا يُحسب بكونه ايجابيا لكرة القدم العربية في مجال التسييرالاداري،فإن عدم الاتفاق على مرشح واحد ومساندته حتى آخر رمق يشكل- في حد ذاته- صدمة قوية للكرة العربية التي خسرت فرصة سانحة لاعتلاء عرش الاتحاد الدولي،بتشبث كل من الامير الاردني و الشيخ البحريني بموقفها في الاستمرار في التنافس الى آخرلحظة،بالرغم من أن هذا الأخير(سلمان)هو صاحب أوفر الحظوظ للجلوس على كرسي رئيس الفيفا،كما أظهرت نتائج الجولة الاولي من عملية التصويت بحصوله على 85صوتا متأخرا عن السويسري”جياني انفانتينو”بثلاثة أصوات فقط،مقابل 27 صوتا للأمير الأردني في حين نال الفرنسي “جيروم شامبين” في هذه الجولة الاولى 7 أصوات ،فلو اتفق الشيخ سلمان والأمير علي منذ البداية لكان أحدهما حصل على ثلثي الأصوات في هذه الجولة والتي تخول لمن تحصّل عليها الجلوس مباشرة على كرسي رئاسة الفيفا دون الاحتكام لجولة ثانية،لكن ايمان كل واحد منهما بحظوظه في الفوز جعلتنا نشاهدهما يتنافاسان في هذه الجولة قبل خوض الثانية.
وفي الجولة الثانية كان من المفروض على الاميرعلي بن الحسين أن يتنازل للشيخ سلمان ،خاصة بعد حصوله على أقل اصواته بكثير،وبعدما اشتدت المنافسة بين هذا الأخير ومنافسه السويسري،وذلك لحفظ ماء وجهه وجه العرب كما فعل أمام السويسري بلاتر في مرة سابقة،وكسب يومئذ احترام الجميع بروح الرياضية العالية،لكن هذه الروح الرياضية غابت في زمن نحتاج فيه أن يتنازل لكسب التحدي،جعلت الجميع يسأل؛ لماذا تنازل المرشح علي بن الحسين في وقت سابق للسويسري بلاتر-الذي كان متابعا بتهمة تلويث الفيفا-ولم يتنازل لشقيقه –في الدين و العروبة والقارة- الشيخ سلمان بن براهيم؟كيف اتجهت أصواته ال 23 في الجولة الثانية بقدرة قادر الى السويسري انفانتينو الذي استغل انقسامهم ولم تذهب لصالح الممثل الثاني للعرب؟
أظن أن ما جعل الاتفاق غير قائم بين الطرفين وأضاع على العرب فرصة اعتلاء عرش الفيفا،هو ذلك السيناريو الذي وقع في نفس الانتخابات خلال مايو الماضي بين الأمير علي بن الحسين والموقوف بلاتر،عندما أعلن الشيخ سلمان صراحة مساندته للمسؤول السويسري،كما أن وصول ممثل البحرين لرئاسة الاتحاد الآسيوي في 2013 وقراره إجراء بعض التغييرات التي أدت إلى خسارة الأمير علي عضويته كأحد ممثلي آسيا في اللجنة التنفيذية للفيفا، وبالتالي فهذا الاخير يراها مناسبة لرد الصاع صاعين لرئيس الاتحاد الأسيوي للعبة،كل هذه الخلافات اذن عصفت بفرص العرب لرئاسة أكبر منظمة كروية في العالم ،وجعلت من يتابعهم (من العرب طبعا) يلعق مرارة وحسرة اهدارهم لهذه الفرصة الثمينة.
أضاع العرب اذن فرصتهم-وأظن أنها لن تتكررمجددا- بسبب الانقسام وعدم الاتفاق على مرشح واحد وأتبثوا بأنفسهم في كونغرس الفيفا الأخير المقولة المتواترة عنهم :”اتفق العرب على ألا يتفقوا”وجعلت احدهم هناك في الغرب يتساءل ساخرا :كيف يمكن للعرب أن يصلحوا ويوحدوا الفيفا التي تشهد اليوم انقساما،وهم لا يستطعون حتى توحيد أنفسهم وترميم انقساماتهم ؟ وفاز أخيرا إنفانتينو الذي قدم للعرب أجمل درس في عالم كرة القدم وهو العمل بصمت بجانب اعتماده على مبدأ “كلنا شركاء” والذي يختلف كلياً عن مبدأ التخوين والتشكيك و الذي اعتمده العرب قبل و بعدما وقع ما وقع في زيوريخ الجمعة الماضي، ومازلنا نراه اليوم في وسائل اعلامهم،فلو فازوا لانْشغلوا بمحاسبة الاتحادات العربية التي لم تصوت للرئيس،عن تلك المهمة التي أتوا من اجلها الى الفيفا ألا وهي الاصلاح ،وكفانا الله شر الخصام.